الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي من درس: كلام الله قال المصنف رحمه الله: [وقوله: بلا كيفية، أي: لا تعرف كيفية تكلمه به قولاً ليس بالمجاز، [ وأنزله على رسوله وحياً ] أي: أنزله إليه على لسان الملك فسمعه الملك جبريل من الله، وسمعه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الملك وقرأه على الناس، قال تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً [الإسراء:106] وقال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195]، وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى وقد أُورد على ذلك أن إنزال القرآن نظير إنزال المطر، أو إنزال الحديد، وإنزال ثمانية أزواج من الأنعام.والجواب: أن إنزال القرآن فيه مذكور أنه إنزال من الله قال تعالى:حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [غافر:1-2] وقال تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر:1] وقال تعالى: تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت:2] وقال تعالى: تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] وقال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينََ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:3-5]، وقال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [القصص:49]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [الأنعام:114] وقال تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ [لنحل:102] .وإنزال المطر مقيد بأنه منزل من السماء قال تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [لرعد:17] والسماء العلو، وقد جاء في مكان آخر: أنه منزل من المزن، والمزن: السحاب، وفي مكان آخر: أنه منزل من المعصرات، وإنزال الحديد والأنعام مطلق، فكيف يشتبه هذا الإنزال بهذا الإنزال وهذا الإنزال بهذا الإنزال؟! فالحديد إنما يكون من المعادن التي في الجبال، وهي عالية على الأرض وقد قيل إنه كلما كان معدنه أعلى كان حديده أجود، والأنعام تخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث، ولهذا يُقال: أنزل ولم ينزل، ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الأرض، ومن المعلوم أن الأنعام تعلو فحولها إناثها عند الوطء، وينزل ماء الفحل من علو إلى رحم الأنثى، وتلقي ولدها عند الولادة من علو إلى أسفل وعلى هذا فيحتمل قوله: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ [الزمر:6] وجهين: أحدهما: أن تكون (من) لبيان الجنس.الثاني: أن تكون (من) لابتداء الغاية، وهذان الوجهان يحتملان في قوله: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً [الشورى:11] إهـ. الشرح:- يقول المصنف -رحمه الله- في قوله: [بلا كيفية] أي: لا تعرف كيفية تكلمه به، وهذه قاعدة عامة معروفة لدينا جميعاً في أية صفة من صفات الله -عز وجل- أن الكيفية غير معقولة، أو مجهولة كما قال ذلك، الإمام مالك وربيعة بن عبد الرحمن رحمهم الله: "الكيف مجهول" فنؤمن بالصفة أياً كانت هذه الصفة وأما الكيف فإنا لا نتخيله ولا نتصوره لأنه غير معقول. فالعقل البشري لا يدرك ذات الله تبارك وتعالى، والصفات إنما هي فرع عن الذات وكما أننا لا نستطيع إدراك الذات فكذلك الصفات وهذا معنى مقرر ومعروف أخذه المصنف من كلمة "قولاً" وقد فسرها المصنف بقوله: ليس بالمجاز أي "قولاً تكلم الله تعالى به" فليس مجازاً ولا حكاية ولا عبارة،، وقوله: [ وأنزله على رسوله وحياً ]، أي: جبريل عليه السلام من الله تبارك وتعالى، وسمعه محمد صلى الله عليه وسلم من جبريل عليه السلام، فهذا معنى قوله رحمه الله.ولهذا قال الله تبارك وتعالى: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً [الإسراء:106] قال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء:193-194] وقال تعالى: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:18] كما صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: { كان يعجل في متابعة جبريل عليه السلام في القرآن لكي لا ينساه } فتكفل الله تبارك وتعالى له بحفظه وأمره بأن يتأمل وأن يتابع القارئ الذي هو جبريل عليه السلام، إذا قرأه عليه، أما حفظه فقد تكفل الله -سبحانه وتعالى- له به كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر